تاج روايه الستائر لا تمنع المطر روايه بوليسيه للكاتب هيتشكوك مصر

القائمة الرئيسية

الصفحات

روايه الستائر لا تمنع المطر روايه بوليسيه للكاتب هيتشكوك مصر


روايه الستائر لا تمنع المطر                   روايه بوليسيه

كانت ليلة شتوية قاسية لم تشهد القاهرة مثلها منذ سنوات. المطر يهطل بغزارة وعنف على نوافذ العمارات العتيقة في منطقة "وسط البلد"، وتحديداً في شارع قصر النيل، حيث المباني ذات الأسقف العالية والشرفات الواسعة التي تقف شاهدة على تاريخ طويل من الحكايات والأسرار.


الروايه البوليسيه الستائر لا تمنع المطر
روايه الستائر ﻻتمنع المطر



في الطابق الثالث من إحدى تلك البنايات، كان "حسن"، المصور الصحفي المتقاعد، يجلس على كرسيه المتحرك، وساقه اليمنى محاطة بالجبس الأبيض الثقيل نتيجة حادث سير سخيف تعرض له قبل أسبوعين. كان الملل ينهش في عقله أكثر مما ينهش الألم في ساقه. الراديو القديم بجواره يبث أغنية لأم كلثوم بصوت خافت يمتزج بصوت الرعد: "يا ظالمني.. يا هاجرني..."، بينما كانت عيناه معلقتين بالمنظر الوحيد المتاح له: واجهة العمارة المقابلة عبر الشارع الضيق، وتحديداً شرفاتها التي تشبه شاشات عرض سينمائية مفتوحة.

لم يكن حسن يتلصص بالمعنى المبتذل، بل كانت عادة قديمة للمصور الذي بداخله، يراقب تفاصيل الحياة، حركة الناس، الضوء والظلال. لكن في تلك الليلة، كان اهتمامه منصباً على شقة واحدة في الدور الثاني بالعمارة المقابلة. شقة "الأستاذ كمال"، ذلك الرجل الخمسيني، الموظف الحكومي ذو الوجه الشاحب والنظارة الطبية السميكة، وزوجته "سعاد"، السيدة الممتلئة ذات الصوت الجهوري الذي كان يسمعه الجيران عادةً وهما يتشاجران.

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل. الشارع بالأسفل غارق في برك المياه، والمقاهي التي لا تنام عادةً قد أغلقت أبوابها هرباً من السيول. لاحظ حسن أن ستائر شقة "الأستاذ كمال" لم تُسدل كعادتها. كانت الإضاءة صفراء خافتة، ورأى ظلين يتحركان بعصبية خلف الزجاج المبلل. كمال يلوح بيده، وسعاد تومئ برأسها في غضب ثم اختفت فجأة.

بعد لحظات، أظلمت الشقة تماماً. بقي حسن يراقب، مدفوعاً بفضول غريزي وشعور غامض بالانقباض. مرت نصف ساعة من الصمت، وفجأة، فُتح باب الشرفة الجانبية لشقة كمال. خرج الرجل وهو يرتدي معطفاً مطرياً ثقيلاً، ويجر خلفه حقيبة سفر ضخمة قديمة الطراز، من النوع الجلدي الثقيل الذي كان يستخدم في السبعينيات. كان يجرها بصعوبة بالغة، وكأنها تحتوي على صخور.. أو ما هو أثقل.

أمسك حسن بمنظاره المكبر الذي يستخدمه في تصوير الطيور، وقربه من عينيه. كان المطر يشوش الرؤية، لكنه استطاع تمييز ملامح كمال. كان العرق يتصبب من جبينه رغم برودة الجو، وكان يتلفت يميناً ويساراً برعب. سحب الحقيبة إلى داخل الشقة مرة أخرى، ثم عاد ليغلق شيش الشرفة الخشبي بإحكام.

"ماذا تفعل يا كمال في هذا الوقت؟ ولماذا تلك الحقيبة؟" همس حسن لنفسه، وقد بدأ قلبه يخفق بشدة. تذكر أن سعاد لم تظهر منذ تلك المشادة. هل يعقل؟ هل ارتكب هذا الموظف البسيط، الذي يبدو مسالماً كالحمامة، جريمة قتل؟

في صباح اليوم التالي، كان الجو رمادياً كئيباً. لم يرَ حسن أي أثر لسعاد. عادة ما تخرج في التاسعة صباحاً لتشتري الخبز والخضروات من السوق. خرج كمال وحده، وجهه شاحب، وعيناه زائغتان.

لم يستطع حسن الانتظار أكثر. اتصل بصديقه الوحيد الذي يزوره، "عماد"، وهو محقق شرطة شاب ذكي ولكنه متهور قليلاً.
جاء عماد في المساء، يحمل معه علبة كشري ساخنة، وجلس يستمع لشكوك حسن وهو يضحك.
"يا عم حسن، أنت خيالك واسع بحكم مهنتك القديمة. الرجل وزوجته تشاجرا، ربما سافرت لبيت أهلها في طنطا، والحقيبة كان يجهزها لها."

قال حسن بجدية وهو يشير للنافذة: "يا عماد، ركز معي. سعاد لا تترك سبحتها الفيروزية ولا قفص العصافير الخاص بها. انظر بالمنظار، قفص العصافير ما زال في الشرفة، والعصافير تكاد تموت من الجوع لأن أحداً لم يطعمها منذ الأمس. وسعاد لا تسافر دون أن تودع جارتها الست عنايات في الدور الأرضي، وقد رأيت عنايات تسأل كمال في الصباح فتجاهلها ومضى مسرعاً."

تغيرت ملامح عماد قليلاً، وأخذ المنظار لينظر. "فعلاً، العصافير ترفرف بجنون. والستائر مسدلة بطريقة مريبة."
"أريدك أن تفعل شيئاً يا عماد. أعرف أن هذا غير قانوني بدون إذن نيابة، لكن كمال خرج منذ قليل ونسي نافذة المطبخ الصغيرة المطلة على المنور مفتوحة. أنت رشيق، والمسافة بين سطح عمارتهم وشرفة مطبخه قريبة."

تردد عماد، لكن بريق المغامرة في عينيه كان أقوى. "سأذهب لألقي نظرة فقط، لن ألمس شيئاً. إذا وجدت دليلاً، سأطلب إذناً رسمياً."



راقب حسن صديقه الشاب وهو يتسلل عبر سطح العمارة المجاورة تحت جنح الظلام. كانت دقات قلب حسن تتسارع مع كل خطوة يخطوها عماد. نجح عماد في القفز بخفة إلى شرفة المطبخ ودخل.

مرت عشر دقائق بدت وكأنها عشر سنوات. كان حسن يمسك هاتفك المحمول، جاهزاً لطلب النجدة. فجأة، رن هاتفه. كان عماد يهمس من الطرف الآخر:
"حسن.. أنت كنت محقاً. الشقة فوضوية جداً. وهناك رائحة كلور نفاذة، كأن أحدهم غسل الأرضية للتو. والأهم من ذلك.. وجدت حقيبة يد سعاد النسائية وبها بطاقتها الشخصية وأدويتها. لا توجد امرأة تسافر وتترك حقيبة يدها وأدوية القلب الخاصة بها."

"اخرج من هناك فوراً يا عماد!" صرخ حسن هامساً. "لقد رأيت سيارة أجرة تتوقف أسفل العمارة، أظنه كمال قد عاد!"

"يا للهول! أنا أسمع صوت المفتاح في الباب!" قال عماد بصوت مرتجف ثم انقطع الخط.

تسمر حسن في مكانه، عاجزاً عن الحركة بسبب ساقه المكسورة. نظر عبر المنظار، فرأى ضوء الممر يُضاء في شقة كمال. دخل كمال، وتلفت حوله. بدا وكأنه شعر بشيء غريب. هل شم رائحة عطر عماد؟ أم لاحظ تغير مكان كرسي؟

رأى حسن كمال يتجه ببطء نحو المطبخ، ممسكاً بتمثال برونزي ثقيل من على الطاولة. كان عماد محاصراً في المطبخ، والنافذة التي دخل منها عالية جداً ليقفز منها بسرعة دون أن يكسر ساقه هو الآخر.

فكر حسن بسرعة. لم يكن أمامه سوى حل واحد لجذب انتباه كمال وإبعاده عن المطبخ. أمسك حسن بمزهرية ثقيلة بجواره وقذفها بكل قوته نحو زجاج نافذته هو.
تحطم الزجاج! دوى صوت الانكسار في سكون الشارع الضيق.
التفت كمال نحو الصوت، ونظر عبر الشارع مباشرة إلى شقة حسن. تلاقت النظرات. رأى كمال حسن وهو يجلس على كرسيه المتحرك ممسكاً بالهاتف. أدرك كمال أنه مراقب.

ترك كمال التمثال، وبدلاً من التوجه للمطبخ، ركض خارج الشقة ونزل الدرج مسرعاً.
"يا إلهي، إنه قادم إلي!" صرخ حسن. اتصل بالشرطة فوراً، ثم اتصل بعماد: "اهرب يا عماد، إنه قادم ليقتلي!"

كانت العمارة التي يسكنها حسن قديمة، وليس بها بواب في الليل. سمع حسن صوت البوابة الحديدية يُفتح بعنف بالأسفل، ثم خطوات ثقيلة وسريعة تصعد السلم الخشبي القديم.
الدرجة الأولى.. الثانية.. الطابق الأول..
بحث حسن حوله عن أي سلاح. لم يجد سوى "فلاش" الكاميرا القديم الكبير الحجم. شحنه بسرعة.
وصل كمال إلى باب شقة حسن. بدأ يطرقه بعنف، ثم بدأ يدفعه بكتفه. الباب خشبي قديم ولن يصمد طويلاً.
"افتح يا فضولي! سأقتلك!" صرخ كمال بصوت هستيري.

انخلع القفل، واقتحم كمال الغرفة، عيناه تقدحان شرراً، ويداه ممدودتان ليطبق على عنق حسن. في تلك اللحظة، رفع حسن الكاميرا ووجه "الفلاش" مباشرة نحو عيني كمال في الغرفة المظلمة.
ومضة ضوء ساطعة وعمياء!
صرخ كمال ووضع يديه على عينيه، مترنحاً للخلف من شدة الضوء المفاجئ الذي أفقده الرؤية مؤقتاً. استغل حسن الفرصة ودفع كرسيه المتحرك ليصطدم بساقي كمال، مما أسقطه أرضاً.

لكن كمال كان قوياً، أمسك بمقبض الكرسي وحاول إسقاط حسن. في هذه اللحظة الحاسمة، اقتحم عماد الغرفة من الباب المفتوح، وقد نزل مسرعاً من العمارة المقابلة، وانقض على كمال، مكبلاً يديه خلف ظهره بحركة شرطية متقنة.
"اثبت مكانك! شرطة!"

بعد دقائق، كانت سيارات الشرطة تملأ شارع قصر النيل بأضوائها الزرقاء والحمراء، التي انعكست على برك مياه الأمطار لترسم لوحة سريالية.

جلس حسن وعماد يلتقطان أنفاسهما بينما كان الضباط يقتادون كمال.
سأل عماد ضابط المباحث الذي كان يفتش شقة كمال: "أين الجثة؟ هل كانت في الحقيبة؟"
هز الضابط رأسه بالنفي وقال: "لا.. الحقيبة كانت مليئة بسبائك ذهبية وأموال."

نظر حسن وعماد لبعضهما بذهول. "أموال؟"
أكمل الضابط: "الأستاذ كمال لم يكن مجرد موظف بسيط. كان يعمل وسيطاً لتهريب العملة والآثار. زوجته سعاد اكتشفت الأمر وهددت بفضحه إذا لم يعطها نصف الثروة. في تلك الليلة، تشاجرا، ودفعها بقوة فسقطت واصطدم رأسها بحافة الطاولة. ماتت فوراً."

"وأين الجثة إذن؟" سأل حسن بلهفة.

أشار الضابط إلى العمارة المقابلة: "هل تذكرون أعمال الترميم والصب الخرساني التي كانت تتم في أحواض الزهور الكبيرة في مدخل عمارتهم؟ لقد دفنها هناك تحت الأسمنت الطري في الفجر، والحقيبة كانت تحتوي على الأموال التي كان ينوي الهرب بها الليلة قبل أن تكشفوه."

عاد الهدوء إلى شارع قصر النيل. توقف المطر، وبدأت رائحة "الطعمية" الساخنة تفوح من المطعم المجاور استعداداً للفجر.
نظر حسن إلى ساقه المكسورة ثم إلى عماد وقال مبتسماً: "تعرف يا عماد.. أعتقد أنني سأبيع هذا المنظار وأشتري تلفزيوناً جديداً. الواقع متعب للأعصاب أكثر من اللازم."
ضحك عماد وهو يربت على كتف صديقه: "حمداً لله على سلامتك يا بطل.. ولكن أخبرني، كيف عرفت أن 'الفلاش' سيوقفه؟"
ابتسم حسن وأجاب بمكر: "الثعلب علمني أن الضوء هو العدو الأول للظلام.. وللقتلة أيضاً."

أغلق حسن الستائر أخيراً، ونام لأول مرة بعمق، بينما كانت القاهرة تستيقظ على يوم جديد، حكاية جديدة قد دُفنت، وحكاية أخرى ستبدأ.


قصه بوليسيه من فصل واحد كامله انتظرونا غدا وادعكوكم لﻻشتراك مجانا لتحصل على جديد الروايات من هنا👇

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
طريقه نت

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق