تاج روايه رنة هاتف في العنبر المحترق

القائمة الرئيسية

الصفحات

روايه رنة هاتف في العنبر المحترق


اهداء الى الكاتب الكبير واﻻعلامى العظيم=ابراهيم عيسي 

اهداء للكاتبه الكبيره فريده الحلوانى ومتابعيها          


روايه رنة هاتف في العنبر المحترق

كانت عقارب الساعة المعلقة في ممر استقبال الطوارئ بمستشفى "القصر العيني" القديم تشير إلى الثالثة فجراً. ليلة شتوية قاسية من ليالي "طوبة"، المطر يضرب النوافذ الزجاجية العالية للمبنى العتيق بعنف، وصوت الرعد يمتزج بصوت سيارات الإسعاف البعيدة.


phone-ring-in-the-burning-ward
روايه رنة هاتف في العنبر المحترق

روايات اخرى 

الدكتور "حسام"، نائب الجراحة المقيم، كان يجلس في غرفة الأطباء المتهالكة، يفرك عينيه الحمراوين من الإرهاق. كان وحيداً في هذا الجناح، فمعظم التمريض والعمال تكدسوا في الدور الأرضي حيث المدفأة، وتركوه هو "نبطشية" في الدور الثالث، الدور الذي يكرهه الجميع.

كان الدور الثالث يضم عنابر الجراحة القديمة، ذات الأسقف الشاهقة والبلاط الشطرنجي (أبيض وأسود) الذي تآكل عبر الزمن. ولكن في نهاية الممر الطويل المظلم، كان هناك باب خشبي ضخم مغلق بسلاسل حديدية، ومختوم بالشمع الأحمر منذ التسعينيات. إنه مدخل "العنبر X"، أو كما يسمونه سراً "عنبر الحريق". تقول الحكايات المتداولة بين الممرضات القدامى إن حريقاً غامضاً شب هناك عام 1998، التهم العنبر بمن فيه من مرضى وطاقم طبي، ومن يومها أغلقته الإدارة ولم يجرؤ أحد على دخوله.

حاول حسام أن يغفو قليلاً على المكتب الخشبي، لكن صوتاً غريباً اخترق سكون الليل.

تررررن.. تررررن..

رفع رأسه فجأة. الصوت مألوف جداً، لكنه "منقرض". إنه صوت جرس هاتف أرضي قديم، من النوع ذي القرص الدوار، صوته ميكانيكي حاد وثقيل.

تجاهل حسام الصوت في البداية، ظناً منه أنه يأتي من مكتب التمريض في الدور الأسفل. لكن الصوت استمر، وبدا أقرب.

تررررن.. تررررن..

نهض حسام، وسحب معطفه الأبيض حول جسده، وخرج للممر. كانت الإضاءة تومض بضعف (Flashing) بسبب العاصفة. مشى في الممر الطويل، يتبع الصوت.

لم يكن الصوت يأتي من غرف المرضى.. ولا من مكتب الحكيمة.

كلما اقترب من نهاية الممر، زاد الصوت وضوحاً وحدة.

توقف حسام أمام الباب المغلق بالسلاسل.. باب "العنبر X".

الصوت يأتي من الداخل.

"مستحيل!" همس حسام لنفسه، وصوت أنفاسه يعلو. "المكان محروق ومفصول عنه الكهرباء والخطوط من عشرين سنة!"

اقترب من الباب، ووضع أذنه على الخشب المتفحم قليلاً.

تررررن.. تررررن..

الهاتف يرن في الداخل بإلحاح، وكأنه استغاثة.

شعر حسام ببرودة غريبة تسري في عموده الفقري، لكن فضول الطبيب، ممزوجاً بقلة النوم، دفعه لفعل شيء متهور. بحث حوله فوجد "طفاية حريق" معلقة على الجدار. حملها، وبضربات قوية ومدروسة، كسر القفل الصدئ الذي يمسك السلاسل.

سقطت السلاسل بضجيج مكتوم. دفع حسام الباب الثقيل. أصدر الباب صريراً مرعباً كأنه صرخة ألم طويلة، وانفتح على ظلام دامس ورائحة نفاذة.. رائحة رماد مبلل وشياط قديم مكتوم.

أضاء حسام كشاف هاتفه المحمول ودخل.

كان المشهد كابوسياً. الأسرة الحديدية القديمة متفحمة وما زالت في أماكنها، الستائر المحترقة تتدلى كأشباح سوداء، والجدران مغطاة بالسخام.

وفي وسط هذا الدمار، وعلى مكتب التمريض المتفحم في منتصف العنبر، كان هناك شيء واحد سليم، نظيف، ويلمع.



هاتف أسود قديم.. يرن.

اقترب حسام ببطء، وكأنه منوم مغناطيسياً. ضوء الكشاف يرتعش في يده.

تتبع سلك الهاتف بعينيه.. وجد السلك مقطوعاً وملقى على الأرض على بعد مترين.

الهاتف غير متصل بشيء.. ومع ذلك، الجرس يصدح بقوة تهز السماعة نفسها.

تررررن..

توقف الجرس فجأة. عم سكون مرعب، أثقل من سكون المقابر.

ثم.. رن مرة أخرى، رنة واحدة طويلة ومستمرة.

مد حسام يده المرتعشة، ورفع السماعة ببطء ووضعها على أذنه.

كان يتوقع أن يسمع "حرارة"، أو صمتاً، أو ضوضاء بيضاء.

لكنه سمع صوتاً بشرياً. صوت أنفاس لاهثة، وصوت نار تفرقع في الخلفية.

"ألو؟" همس حسام بصوت مختنق.

جاءه الصوت من الطرف الآخر.. صوت رجل يصرخ بهلع، لكنه صوت يعرفه حسام جيداً. إنه صوت يشبه صوته هو، لكنه أقدم، أنضج، ومشروخ من الدخان.

قال الصوت: "يا دكتور حسام.. سجل ساعة الوفاة. الساعة 3:05 فجراً. السبب: الاختناق."

نظر حسام إلى ساعته اليدوية برعب. كانت الساعة الآن 3:04 فجراً.

سأل حسام بصوت يرتجف: "مين معايا؟ وفاة مين؟"

رد الصوت بضحكة هستيرية مكتومة: "وفاتك أنت! أخرج من العنبر! الغاز.. الغاز متسرب.. الولاعة في جيبك!"

تجمد حسام. تذكر فجأة. هو مدخن. وفي جيبه ولاعة. وعندما دخل، شم رائحة اعتقد أنها "شياط قديم"، لكنها لم تكن كذلك.. كانت رائحة غاز "الميثان" المتسرب من مواسير الصرف الصحي القديمة المتهالكة أسفل العنبر، والتي تجمعت عبر السنين في هذا المكان المغلق.

"أخرج!" صرخ الصوت في الهاتف.

استدار حسام ليركض، لكن قدمه تعثرت في سلك الهاتف المقطوع. سقط هاتفه المحمول (مدر الضوء الوحيد) من يده، وانزلق بعيداً تحت أحد الأسرة.

حل الظلام الدامس.

حاول حسام النهوض وهو يتلمس طريقه. يده اصطدمت بشيء معدني حاد جرح كفه.

وفي الظلام، وبشكل غريزي بحت، مد يده إلى جيبه ليخرج "الولاعة" ليضيء ليرى جرحه. نسي التحذير في لحظة الهلع.

"لا.." همس لنفسه بمجرد أن لمست أصابعه معدن الولاعة البارد. تذكر التحذير.

سحب يده بسرعة وكأن الولاعة ثعبان سام.

لكن.. في تلك اللحظة، سمع صوتاً آخر في الغرفة معه.

صوت احتكاك حجر ولاعة. تِك..

لم يكن هو من أشعلها.

رأى شعلة صغيرة تضيء في الزاوية البعيدة للعنبر.

وهناك، في ضوء الشعلة الخافت، رأى شخصاً يرتدي بالطو أبيض محروقاً، ووجهه مغطى بالشاش المدمم. كان ينظر لحسام بعينين بيضاوين تماماً.

ابتسم الشبح، وألقى الولاعة المشتعلة على الأرض التي كانت مشبعة بالغاز غير المرئي.

"الساعة 3:05 يا دكتور.. الموعد حان."

انفجر العالم في وجه حسام.

لم يكن انفجاراً نارياً بالمعنى التقليدي.. كان ومضة بيضاء ساطعة، وصوت دوي هائل، ثم سكون.

في صباح اليوم التالي:

عثر عمال النظافة على الدكتور حسام مغشياً عليه أمام باب "العنبر X". الباب كان ما زال مغلقاً بالسلاسل والشمع الأحمر، لم يُلمس ولم يُكسر.

عندما أفاق حسام في العناية المركزة، أقسم أنه دخل العنبر، وأنه رد على الهاتف، وأنه رأى الانفجار.

الأطباء قالوا إنه "إجهاد عصبي" وهلوسة بسبب قلة النوم.

لكن.. عندما خلعوا عنه معطفه ليعالجوه، سقط شيء من جيبه.

لم تكن ولاعته.

كانت "سماعة هاتف" قديمة، متفحمة، وسلكها مقطوع.. لا أحد يعرف من أين أتت، ولا كيف وصلت إلى جيبه وهو لم يغادر الممر أبداً.

ومنذ ذلك اليوم، إذا مررت بممر الجراحة في القصر العيني ليلاً، قد تسمع رنين هاتف خافت.. لكن نصيحة: لا تتبع الصوت.


للكاتب / هيتشكوك مصر

اهداء الى الكاتب الكبير واﻻعلامى العظيم=ابراهيم عيسي 

اهداء للكاتبه الكبيره فريده الحلوانى ومتابعيها

اشترك من هنا قصص لك الروايه اليوميه تابعنا اضغط من هنا👇


👈👉
  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
طريقه نت

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق