تاج ظلال شجرة الكافور روايات غامضه هيتشكوك مصرظلال

القائمة الرئيسية

الصفحات

ظلال شجرة الكافور روايات غامضه هيتشكوك مصرظلال


ظلال شجرة الكافور روايات غامضه

كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً عندما توقفت سيارة الأجرة أمام البوابة الحديدية السوداء لفيلا "السويفي" في حي المعادي. الشارع كان مظلماً إلا من أضواء الأعمدة الصفراء الخافتة التي تتسلل بين أفرع أشجار الكافور والجميز العملاقة، راسمًة ظلالاً طويلة ومتشابكة على الأسفلت المبتل.


ظلال شجرة الكافور روايات غامضه هيتشكوك مصر
ظلال شجرة الكافور روايات غامضه هيتشكوك مصر


نزلت "ليلى" من السيارة، وهي تشد معطفها الصوفي حول جسدها النحيل. كانت فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، مرممة كتب ومخطوطات قديمة، تمتلك عينين واسعتين تفيضان بالبراءة والقلق. نظرت إلى الفيلا المهيبة التي ستبدأ فيها حياتها الجديدة كزوجة لـ "مراد السويفي".

مراد.. ذلك الرجل الأربعيني الوسيم، الثري، والغامض كبحر في ليلة شتوية. تعرفت عليه عندما جاء لترميم مخطوطة نادرة لجدّه في المكتبة التي تعمل بها. كان حزيناً، قليل الكلام، وعيناه تحملان ثقلاً لا يوصف. أحبته ليلى من النظرة الأولى، ورأت في حزنه نداءً لروحها الشفافة. تزوجا بسرعة، وها هي الآن تدخل قلعته الحصينة.

استقبلتها "دادة عزيزة"، مديرة المنزل العجوز، بملابسها السوداء ووجهها الصارم الذي لا يبتسم. كانت عزيزة تعمل هنا منذ ثلاثين عاماً، وكانت تدير المنزل وكأنه ثكنة عسكرية.
"حمد الله على السلامة يا هانم.. البيه في المكتب، طلب ألا يزعجه أحد،" قالت عزيزة بصوت جاف، وهي تتفحص ملابس ليلى البسيطة بنظرة نقد لا تخطئها العين.

شعرت ليلى بالبرودة تسري في أوصالها، ليس بسبب الجو، بل بسبب الاستقبال الجاف. صعدت الدرج الرخامي الواسع، ولاحظت أن الفيلا تبدو وكأن الزمن توقف فيها. كل شيء أنيق، ولكنه كئيب. وعلى الحائط الرئيسي في الصالة العلوية، كانت تعلق لوحة زيتية ضخمة لامرأة فاتنة الجمال، ذات شعر أسود فاحم وابتسامة واثقة ومتعالية.
سألت ليلى بصوت خافت: "من هذه؟"
ظهرت عزيزة خلفها فجأة كالشبح، وقالت بنبرة تقديس: "هذه الست كاميليا.. المرحومة زوجة مراد بيه الأولى. سيدة القصر الحقيقية."

في تلك اللحظة، خرج مراد من مكتبه. بدا عليه الإرهاق، لكن ملامحه لانت قليلاً عندما رأى ليلى. اقترب منها وقبل جبينها ببرود.
"آسف يا ليلى، كان لدي عمل عاجل. هل أعجبتك الغرفة؟"
"جميلة يا مراد، لكنها.. واسعة جداً ومخيفة قليلاً،" همست ليلى.
تغيرت ملامح مراد، وعاد القناع الجامد لوجهه. "ستتعودين. هذا بيت السويفي، وكل شيء فيه له تاريخ."

مرت الأسابيع الأولى بصعوبة بالغة. كانت ليلى تشعر أنها ضيفة ثقيلة في بيتها. مراد كان يغيب لساعات طويلة في "الأتيليه" الخاص به في حديقة الفيلا الخلفية، وهو مبنى زجاجي قديم يمنع أي أحد من دخوله.
أما "دادة عزيزة"، فكانت تشن حرباً نفسية صامتة على ليلى.
"الست كاميليا كانت تختار الستائر المخملية، لا القطنية الرخيصة."
"الست كاميليا كانت تقيم حفلات عشاء يحضرها الوزراء، لا تجلس لتقرأ الكتب القديمة."
كان اسم "كاميليا" يتردد في كل زاوية، وكأنها ما زالت حية تتنفس في أروقة الفيلا، بينما ليلى مجرد ظل باهت يحاول احتلال مكان لا يخصه.

بدأت الشكوك تنهش قلب ليلى. هل ما زال مراد يحب كاميليا؟ هل تزوجها فقط ليشغل الفراغ؟ ولماذا يغلق الأتيليه دائماً؟ هل يحتفظ بمتعلقاتها هناك ليبكي عليها بعيداً عن الأنظار؟

في ليلة عاصفة، اشتدت الرياح واهتزت نوافذ الفيلا بعنف. كان مراد قد خرج في موعد عمل، وبقيت ليلى وحدها تصارع أفكارها. قررت أنها لن تستطيع العيش هكذا للأبد. عليها أن تعرف الحقيقة.
نزلت إلى المطبخ، ورأت مفتاحاً قديماً معلقاً في لوحة المفاتيح الخلفية، كُتب عليه بخط باهت "الحديقة".
أخذت ليلى المظلة والمصباح اليدوي، وخرجت تتحدى المطر والظلام. كانت الأشجار تتمايل كأشباح راقصة، وصوت الرعد يشق السماء. وصلت إلى المبنى الزجاجي (الأتيليه).

كان الباب ثقيلاً وصدئاً، لكنه انفتح بصعوبة. دخلت ليلى وسلطت ضوء المصباح.
توقعت أن تجد مرسماً، أو مكاناً للعمل. لكن ما وجدته جعل الدماء تتجمد في عروقها.
المكان كان عبارة عن "مزار" لكاميليا. تماثيل نصفية لوجهها، لوحات عديدة لها في أوضاع مختلفة، فساتينها معلقة على حوامل خشبية. كان المكان يصرخ بهوس مراد بزوجته الراحلة.
ولكن، لفت انتباهها دفتر مذكرات ملقى على طاولة صغيرة مغطاة بالغبار. فتحته ليلى بيد مرتجفة.

بدأت تقرأ، وتغيرت تعابير وجهها من الخوف إلى الصدمة. لم يكن خط مراد.. كان خط كاميليا.
"أنا أكره هذا المكان، وأكره ضعف مراد. يظن أنه يمتلكني بحبه الساذج. لا يعرف أنني بعتُ نصف مجوهرات العائلة لأغطي ديون القمار التي ورطت نفسي فيها. سأتركه قريباً، لكن بعد أن أجعله يوقع تنازلاً عن الفيلا. إنه أحمق، يعتقد أنني ملاك."

شهقت ليلى. كاميليا لم تكن الملاك الذي تصوره عزيزة، ولا الحبيبة التي يظن الجميع أن مراد يبكيها. كانت امرأة قاسية، مخادعة.
فجأة، انفتح باب الأتيليه بعنف، ودخل الهواء البارد ومعه خيال رجل طويل.
"ماذا تفعلين هنا؟!" صرخ صوت مراد الغاضب، صوت لم تسمعه منه من قبل.

سقط الدفتر من يد ليلى، وتراجعت للخلف وهي ترتجف. "مراد.. أنا.. كنت فقط أريد أن أفهم."
تقدم مراد نحوها، كان مبللاً بالمطر، وعيناه تلمعان في الظلام بغضب مخيف. "قلت لكِ لا تدخلي هنا أبداً! لماذا تنبشين في الماضي؟"

بكت ليلى، وانهارت حصونها: "لأنني أحبك! ولأنني أموت كل يوم وأنا أراك تعبد طيفها! أراك تفضل ذكراها عليّ! ظننت أنك تحبها، لكنني وجدت هذا الدفتر.. هي كانت تكرهك يا مراد! كانت تخدعك!"

توقف مراد فجأة. نظر إلى الدفتر الملقى على الأرض، ثم نظر إلى ليلى المنهارة. هدأ غضبه ببطء، وحل محله ألم عميق وانكسار.
اقترب منها ببطء، وجلس على ركبتيه أمامها، ممسكاً يديها الباردتين.
"أنتِ فاهمة غلط يا ليلى.. فاهمة غلط خالص،" قالها وصوته يتهدج.
"أنا لا آتي هنا لأبكي عليها حباً.. أنا آتي هنا لأواجه عذابي."

نظرت إليه ليلى بذهول: "عذابك؟"
أغمض مراد عينيه وقال بألم: "أنا كنت أعرف حقيقتها يا ليلى. اكتشفت كل شيء قبل موتها بيومين. واجهتها هنا، في هذا المكان. ضحكت في وجهي بسخرية، وقالت لي إنني كنت مجرد جسر لثروتها. تشاجرنا، ودفعتها بعيداً عني.. تعثرت وسقطت وارتطم رأسها بحافة التمثال الرخامي."

شهقت ليلى ووضعت يدها على فمها.
أكمل مراد والدموع تنحدر على وجهه لأول مرة: "كان حادثاً.. أقسم أنه كان حادثاً. لكن الشعور بالذنب لم يفارقني. ليس لأنها ماتت، بل لأنني شعرت بالراحة لموتها. شعرت بالخلاص. وهذا الشعور هو ما يعذبني. أبقيت هذا المكان كما هو لأذكر نفسي دائماً بغبائي، وكيف انخدعت بالمظاهر. عزيزة لا تعرف الحقيقة، الجميع يظن أنني الزوج المكلوم، وأنا مجرد رجل يشعر بالعار من ماضيه."

نظر مراد في عيني ليلى بعمق: "كنت أبعدك عني ليس لأنني لا أحبك.. بل لأنني كنت خائفاً أن تلوثك قذارتي. كنت خائفاً أن تقتربي فتعرفي أن زوجك كان سبباً في موت إنسانة، حتى لو كانت شريرة. أنتِ طاهرة جداً يا ليلى، وكنت أريد حمايتك من ظلامي."

ساد الصمت في المكان، إلا من صوت المطر الذي بدأ يهدأ تدريجياً.
نظرت ليلى إلى الرجل الذي أحبته، لم تره قاتلاً، بل رأته ضحية لامرأة استغلت قلبه، وضحية لصمته الطويل. لمست خده برفق ومسحت دموعه.
"الماضي انتهى يا مراد. تلك المرأة ماتت، وسرها مات معها. أنت لست شريراً، أنت فقط كنت وحيداً وخائفاً."

ضمت ليلى رأس مراد إلى صدرها، وبكى كالطفل بين ذراعيها، مخرجاً سموم سنوات من الكبت والأسرار.

موقع طريقه نت
اول موقع مصري في الوطن العربي متخصص في الذكاء الاصطناعي


في صباح اليوم التالي، استيقظت الفيلا على جو مختلف. كانت السماء صافية مغسولة بماء المطر، والشمس تسطع بقوة على حديقة المعادي.
نزلت ليلى الدرج، وكانت يدها في يد مراد. لأول مرة، كان وجه مراد مشرقاً، وكأن جبلاً انزاح عن كاهله.
وقفت ليلى أمام دادة عزيزة في منتصف الصالة.
"دادة عزيزة،" قالت ليلى بصوت هادئ ولكنه حازم، صوت سيدة المنزل الحقيقية. "من فضلك، أزيلي هذه اللوحة الكبيرة من هنا. ضعيها في المخزن، أو تخلصي منها. وأيضاً، اتصلي بالعمال لتنظيف المبنى الزجاجي في الحديقة وإفراغه من كل شيء. مراد بيه قرر تحويله لبيت زجاجي للنباتات والزهور."

فتحت عزيزة فمها لتعترض: "لكن يا هانم.. الست كاميليا.."
قاطعها مراد بصرامة لم تعهدها منه تجاه ذكرى زوجته الأولى: "نفذي ما قالته ليلى هانم يا دادة. ولا أريد أن أسمع اسم كاميليا في هذا البيت مرة أخرى. ليلى هي زوجتي، وهي الحاضر والمستقبل."

انحنت عزيزة، وقد أدركت أن عهدها القديم قد ولى بلا رجعة، وأن سطوتها المستمدة من شبح الماضي قد تلاشت.
"أمرك يا بيه.. أمرك يا هانم."

خرج مراد وليلى إلى الشرفة الواسعة. تنفسا عبير الصباح المنعش المختلط برائحة التربة المبللة. نظر مراد إلى زوجته بامتنان وحب جارف.
"شكراً يا ليلى.. لأنكِ أخرجتني من القبر الذي حبست نفسي فيه."
ابتسمت ليلى، وأشارت إلى شجرة الكافور الضخمة التي كانت تحجب الشمس عن النافذة، وقالت: "حتى الأشجار العتيقة تحتاج أحياناً لتقليم فروعها الميتة لتصل الشمس إلى الأرض، وتنبت زهور جديدة."

ضمها مراد إليه، بينما كانت عمال الحديقة يبدأون بالفعل في نقل محتويات "الأتيليه" المظلم إلى الخارج، لتتحول ذكرى الألم إلى رماد، وتبدأ قصة حب حقيقية، بلا أشباح، تحت شمس القاهرة الدافئة.

روايات اخرى

للكاتب / هيتشكوك مصر

اهداء للكاتب والمؤلف = العظيم ابراهيم عيسى

اهداء للكاتبه الكبيره فريده الحلوانى ومتابعيها


اشترك من هنا قصص لك الروايه اليوميه تابعنا اضغط من هنا👇


  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
طريقه نت

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق