تاج روايه اللحن الأخير في جاردن سيتي

القائمة الرئيسية

الصفحات

روايه اللحن الأخير في جاردن سيتي

 

روايه اللحن الأخير في جاردن سيتي

كان "يوسف"، عازف الكمان الموهوب في دار الأوبرا، يعيش حياته كوتر مشدود. فقد زوجته "مريم" في حادث سيارة مروع قبل عامين، ومنذ ذلك الحين، اعتزل العزف، واعتزل الحياة، مكتفياً بالجلوس في شقته المطلة على النيل، يستمع لتسجيلات قديمة لها وهي تغني بصوتها الملائكي.

روايه اللحن الأخير في جاردن سيتي
روايه اللحن الأخير في جاردن سيتي



في إحدى الأمسيات الخريفية، وبينما كان يتمشى بلا هدف في شوارع جاردن سيتي الضبابية، لمحها.
امرأة تقف أمام فيترينة محل زهور، تشتري باقة من الياسمين.
تجمد يوسف في مكانه. كانت "هي". نفس الشعر الكستنائي المموج، نفس القوام الممشوق، ونفس الالتفاتة الحزينة. كانت نسخة طبق الأصل من مريم.
ركض نحوها، أمسك ذراعها بلهفة المجنون: "مريم! أنتِ حية؟"
التفتت المرأة بذعر. نظرت إليه بعينين عسليتين واسعتين، لكنهما كانتا غريبتين.

اعتذر يوسف بتلعثم، وانسحب. لكنه لم يستطع نسيانها. بدأ يراقبها. عرف أن اسمها "سارة"، وأنها تعمل مرممة لوحات في متحف محمود خليل القريب. كانت وحيدة مثله، غامضة، وتحمل في عينيها انكساراً قديماً.
تقرب منها ببطء. لم يخبرها عن الشبه بينها وبين زوجته الراحلة. أحبها، أو هكذا ظن. أحب الهدوء الذي يحيط بها، أحب صوتها، وأحب الطريقة التي تنظر بها للنيل.
ولكن، في أعماق عقله الباطن، كان يوسف لا يحب "سارة".. كان يحاول استعادة "مريم" من خلالها.

بدأ يوسف يطلب منها طلبات غريبة بلطف شديد.
"لماذا لا تصبغين شعرك بلون أفتح قليلاً يا سارة؟" (مثل مريم).
"هذا الفستان الرمادي جميل، لكن اللون الأزرق سيليق بك أكثر." (اللون المفضل لمريم).
"هل يمكنك أن تغني لي هذه الأغنية القديمة؟"
كانت سارة تستجيب له، مدفوعة بحبها له ورغبتها في إسعاده، غير مدركة أنها تتحول ببطء إلى شبح لامرأة أخرى.

في ليلة عيد ميلادها، أهداها يوسف قلادة فضية قديمة. كانت قلادة مريم.
ارتدتها سارة بسعادة، ووقفت أمام المرآة.
نظر إليها يوسف، والدموع تملأ عينيه. لقد اكتمل التحول. مريم تقف أمامه الآن.
اقترب منها ليقبلها، لكن سارة تراجعت فجأة. رأت في انعكاس المرآة شيئاً لم تره من قبل. رأت صورة صغيرة لمريم موضوعة على الطاولة خلفها.. وكانت ترتدي نفس القلادة، ونفس الفستان الأزرق، ونفس تسريحة الشعر.

استدارت سارة ببطء، والصدمة تعقد لسانها.
"أنت.. أنت لم تكن تحبني أبداً يا يوسف،" قالت بصوت مبحوح. "أنت كنت تصنع مني تمثالاً لها. أنا مجرد بديل.. مجرد دمية."
حاول يوسف الإنكار: "لا يا سارة! أنا أحبك! أنتِ أعطيتني الحياة مرة أخرى!"
صرخت فيه: "أعطيتك حياة الموتى! أنت جعلتني أعيش في قبر امرأة أخرى!"

ركضت سارة خارج الشقة، ونزلت الدرج مسرعة.
لحق بها يوسف: "سارة! انتظري! أرجوكِ!"
خرجت سارة إلى الشارع. كان المطر يهطل بغزارة، والرؤية شبه معدومة. ركضت لتعبر الشارع نحو كورنيش النيل، هاربة من هذا الحب المسموم.
يوسف كان يركض خلفها، يصرخ باسمها.. أو ربما باسم مريم.

في وسط الشارع، توقفت سارة فجأة عندما رأت سيارة مسرعة قادمة نحوها. تجمدت في مكانها، فالأضواء المبهرة للسيارة أعمتها.
"سارة!" صرخ يوسف وقفز نحوها ليدفعها بعيداً.
نجح في دفعها إلى الرصيف المقابل.
سقطت سارة بسلام على العشب المبلل.
لكن يوسف.. لم يكن سريعاً بما يكفي.

نهضت سارة مترنحة، وركضت نحو الجسد الملقى وسط الطريق.
كان يوسف يلفظ أنفاسه الأخيرة، والدماء تغطي وجهه.
أمسك بيدها بضعف، ونظر في عينيها العسليتين. ابتسم ابتسامة واهنة، وهمس بكلمة واحدة أخيرة:
"مريم.."
ثم أغمض عينيه للأبد.

جلست سارة على الرصيف البارد تحت المطر، تبكي بحرقة. لم تكن تبكي فقط على الرجل الذي أحبته ومات لينقذها.
كانت تبكي لأنها أدركت الحقيقة المرة في لحظته الأخيرة.
حتى وهو يموت من أجلها.. لم يكن يراها "هي".
كان يرى "مريم".
مات وهو ينقذ شبح زوجته، لا المرأة الحقيقية التي كانت تحبه.

في جنازة يوسف، وقفت سارة وحيدة، ترتدي الأسود، وقد قصت شعرها قصيراً جداً، وخلعت القلادة الفضية ورمتها في النيل.
عادت إلى حياتها، لكن شيئاً بداخلها قد انكسر للأبد. أدركت أن بعض الحب لا يكون إلا لعنة، وأن محاولة إحياء الماضي لا تجلب سوى الموت للحاضر.
وظلت موسيقى الكمان الحزينة تعزف في ذاكرتها، لحناً أخيراً لقصة حب.. لم تبدأ أبداً.

للكاتب / هيتشكوك مصر
اهداء الى الكاتب الكبير واﻻعلامى العظيم=ابراهيم عيسي 
اهداء للكاتبه الكبيره فريده الحلوانى ومتابعيها
اشترك من هنا قصص لك الروايه اليوميه تابعنا اضغط من هنا👇

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
طريقه نت

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق