اهداء الى الكاتب الكبير واﻻعلامى العظيم=ابراهيم عيسي
اهداء للكاتبه الكبيره فريده الحلوانى ومتابعيها
القادم كتاب التحريش مناقشه
عطر منتصف الليل في المعموره
كانت ليلة من ليالي "نوة الغطاس" القاسية، حيث يتحول البحر المتوسط أمام شاطئ "المعمورة" بالإسكندرية إلى وحش هائج يضرب الأمواج الرملية بلا رحمة. السماء سوداء تماماً، لا قمر ولا نجوم، فقط صوت الرياح التي تصفر عبر شقوق النوافذ الخشبية للكابينة رقم 112.
![]() |
| عطر منتصف الليل في المعموره |
في الداخل، كان "هشام"، كاتب السيناريو الثلاثيني الذي حقق نجاحاً مدوياً بفيلمه الأخير ثم سقط في بئر "قفلة الكاتب" اللعينة، يجلس أمام مدفأة الحطب المشتعلة. الأوراق المتناثرة حوله بيضاء، فارغة، تسخر من عجزه. زجاجة نبيذ أحمر رخيص مفتوحة بجواره، وقد شرب نصفها محاولاً استدعاء وحي الكتابة الذي يبدو أنه هجره للأبد.
كان الصمت في الكابينة ثقيلاً، لا يقطعه سوى طقطقة الحطب المحترق وصوت المطر الذي بدأ ينقر على الزجاج بعنف متزايد. فجأة، سمع هشام صوتاً غريباً. لم يكن صوت الريح. كان طرقاً. طرقاً خافتاً، متردداً، ومستعجلاً على الباب الخشبي للكابينة.
نظر هشام لساعته. الثانية بعد منتصف الليل. من المجنون الذي يطرق بابه في هذا الوقت وفي هذا الجو؟ هل هو حارس الأمن؟
نهض بكسل، وسحب الباب الثقيل ليفتحه.
اقتحمت الرياح الباردة والمطر المكان، ومعهما.. اقتحمت "هي" عالمه.
كانت امرأة. وليست أي امرأة.
كانت تقف هناك، ترتجف كورقة شجر في مهب الريح. شعرها الأسود الطويل مبلل تماماً، يلتصق بوجنتيها الورديتين من شدة البرد. كانت ترتدي معطفاً طويلاً مفتوحاً، يكشف تحته عن فستان سهرة أسود قصير من الدانتيل، وحذاء بكعب عالٍ غاص في رمال الحديقة المبللة.
"أرجوك.." قالت بصوت يرتجف، وأسنانها تصطك ببعضها. "سيارتي تعطلت على الطريق الرئيسي.. والكهرباء مقطوعة في الكابينة الخاصة بي في آخر الممر.. وأنا.. أنا خائفة جداً."
لم يفكر هشام. غريزة الرجل، وغريزة الكاتب الذي يبحث عن قصة، تحركتا معاً.
"تفضلي.. تفضلي بالدخول فوراً، ستموتين من البرد!"
أفسح لها الطريق، فدخلت مسرعة، ومعها دخلت رائحة عطر غريبة.. رائحة ياسمين بري ممزوج برائحة المطر، رائحة مسكرة وخطيرة.
أغلق هشام الباب، وعاد الدفء يغلف المكان. وقفت هي وسط الغرفة، تنظر حولها بعينين واسعتين عسليتين، رموشهما مبللة وساحرة.
"أنا آسفة جداً على الإزعاج،" قالت وهي تحاول عصر طرف فستانها المبلل، مما جعل القماش يلتصق أكثر بجسدها الممشوق، راسمًة تفاصيل فتنتها بوضوح تحت ضوء النار الراقص. "اسمي (سوزي).. أنا ممثلة.. ربما سمعت عني؟"
لم يسمع هشام عنها، لكنه كذب بذكاء: "وجهك مألوف جداً.. طبعاً. أنا هشام، كاتب سيناريو."
ابتسمت ابتسامة أضاءت الغرفة الكئيبة: "هشام المنسي؟ كاتب فيلم (الهروب الأخير)؟ يا إلهي! أنا من أشد معجباتك!"
كانت هذه الجملة هي المفتاح السحري لغرور هشام الجريح. شعر بالنشوة. امرأة فاتنة، في ليلة ممطرة، تعرفه وتعجب به.
"يجب أن تجففي ملابسك،" قال هشام وهو يحاول ألا يطيل النظر لساقيها العاريتين. "سأحضر لك منشفة وروب حمام."
دخل هشام الغرفة الداخلية، وعاد ومعه منشفة وروب قطني سميك.
وجدها قد خلعت معطفها المبلل وألقته على الكرسي، ووقفت أمام المدفأة تفرك ذراعيها. الفستان الأسود القصير كان يكشف عن ظهرها بالكامل تقريباً، وعن وشم صغير جداً على شكل "فراشة" أسفل عنقها.
شعر هشام بحرارة تسري في جسده لا علاقة لها بالمدفأة.
"تفضلي،" مد لها الروب.
أخذته منه، وتلامست أصابعهما. كانت يدها باردة كالثلج، ويده ساخنة كالجمر. نظرت في عينيه نظرة طويلة، عميقة، وكأنها تقرأ أفكاره "غير البريئة".
"هل يمكنك أن تدير ظهرك لحظة؟" همست بخجل مصطنع.
أدار هشام ظهره، وسمع صوت سحاب الفستان يُفتح، ثم صوت القماش وهو يسقط على الأرض، وصوت ارتداء الروب.
"يمكنك النظر الآن."
استدار هشام. كانت قد لفت نفسها بالروب، وجلست على السجادة الفرو أمام النار، تجفف شعرها بالمنشفة. بدت كقطة سيامية جميلة ومستكينة.
"تعال اجلس معي.. لا تتركني وحدي، أنا مازلت خائفة من الظلام والعاصفة،" قالت بصوت ناعم، وهي تربت على المكان الخالي بجوارها.
جلس هشام. صبت له كأساً من النبيذ، وصبت لنفسها.
"نخب الصدف الجميلة،" قالت وهي تلامس كأسها بكأسه.
بدأت تحكي له قصصاً عن الوسط الفني، عن وحدتها، عن الرجل الذي يلاحقها ويهددها (قصة مختلقة ببراعة لاستثارة نخوة هشام). كان هشام يستمع مسحوراً، يشرب النبيذ، ويشرب من سحر عينيها.
مع كل رشفة، كانت المسافات تتقلص.
اقتربت منه أكثر، حتى تلامست كتفاهما. وضعت رأسها على كتفه.
"أنت دافئ جداً يا هشام.. وكتاباتك دافئة مثلك."
رفع هشام يده ببطء ولمس شعرها المبلل. رفعت وجهها إليه. كانت شفتاها الممتلئتان، اللتان تلمعان بلون الكرز، على بعد سنتيمترات من شفتيه.
"هل تظن أننا التقينا لسبب؟" همست وهي تنظر لشفتيه.
"أظن أننا التقينا لنكتب مشهداً لم يكتبه أحد من قبل،" أجاب هشام بصوت مبحوح.
لم تنتظر سوزي. أطبقت شفتيها على شفتيه في قبلة جائعة، عنيفة، ومفاجئة. ذابت كل مقاومات هشام. لف ذراعيه حولها، وسحبها إليه. سقط كأس النبيذ على السجادة وانسكب سائله الأحمر كالدماء، لكن أحداً لم يهتم.
تحولت الليلة الباردة إلى بركان مشتعل. كانت سوزي خبيرة في فن الحب، تعرف كيف تلمس، كيف تهمس، كيف تجعل الرجل يشعر أنه ملك متوج، بينما هو في الحقيقة مجرد أسير في مملكتها.
نام هشام في تلك الليلة نوماً عميقاً، لم ينمه منذ شهور. نام وفي حضنه امرأة الأحلام، ورائحة الياسمين تملأ رئتيه.
استيقظ هشام في الصباح التالي على صوت زقزقة العصافير وشمس ساطعة تقتحم الغرفة.
مد يده للجانب الآخر من السرير.. كان بارداً وفارغاً.
"سوزي؟" نادى بصوت ناعس.
لا رد.
نهض جالساً. نظر حوله. الملابس التي كانت على الأرض اختفت. المعطف المبلل اختفى.
شعر بانقباضة في قلبه. هل رحلت دون وداع؟
نهض وخرج للصالة. كانت فارغة. زجاجة النبيذ فارغة.
بحث عن هاتفه ليتصل بها (تذكر أنها لم تعطه رقمها).
لم يجد الهاتف على الطاولة.
بحث عن محفظته.. اختفت.
بحث عن ساعته "الروليكس" الذهبية التي ورثها عن والده.. اختفت من الكومودينو.
والكارثة الأكبر.. اللابتوب!
اللابتوب الذي يحتوي على مسودة السيناريو الجديد، وعلى ملفاته الشخصية، وعلى كل شيء.. اختفى!
جرى هشام نحو الباب كالمجنون. وجد ورقة صغيرة معلقة بدبوس على الباب من الداخل. ورقة معطرة بنفس عطر الياسمين.
مكتوب عليها بخط أنيق وبأحمر شفاه:
"شكراً على الليلة الدافئة يا أستاذ هشام. أنت فعلاً كاتب مبدع، وخيالك واسع.. لدرجة أنك صدقت أن امرأة مثلي قد تقع في حب كاتب مفلس عاطفياً مثلك في ليلة واحدة. اعتبر ما أخذته (أجراً) عن دور البطولة الذي لعبته أمامك ببراعة. وداعاً، ولا تحاول البحث عني.. فالسيناريو انتهى."
صرخ هشام صرخة غضب ويأس دوت في المعمورة كلها. ركض خارج الكابينة، حافي القدمين، نحو الكابينة التي أشارت إليها سوزي أمس وقالت إنها تسكنها.
وجد الكابينة مغلقة بسلاسل صدئة، وعليها لافتة "للإيجار" مغطاة بالغبار والعنكبوت. سأل حارس الأمن العجوز الذي كان يمر بدراجته.
"يا عم! الست اللي كانت هنا! العربية اللي كانت عطلانة!"
نظر إليه الحارس باستغراب: "ست مين يا بيه؟ ومفيش عربيات دخلت المنطقة دي من امبارح الضهر عشان النوة. المنطقة دي مهجورة في الشتا يا أستاذ."
سقط هشام على ركبتيه في الرمال. أدرك الحقيقة المرة.
لم تكن ممثلة. ولم تكن سيارتها معطلة.
كانت تعرف من هو. راقبته، عرفت وحدته، عرفت نقطة ضعفه (الغرور والاحتياج العاطفي).
دخلت عليه كحلم، وسلبته كل شيء، وخرجت ككابوس.
عاد هشام لكابينته يجر أذيال الخيبة. جلس أمام المدفأة المنطفئة، ينظر لبقعة النبيذ الجافة على السجادة.. الشاهد الوحيد على ليلة الخدعة الكبرى.
ولأول مرة منذ شهور.. أمسك القلم والورقة.
بدأ يكتب بغل، بحقد، وبإلهام حقيقي نابع من الألم.
كتب عنواناً جديداً للسيناريو: "امرأة من دخان".
لم يستعد ساعته ولا ماله.. لكن سوزي، دون أن تدري، أعطته القصة التي ستجعله أشهر كاتب في مصر، القصة التي دفع ثمنها غالياً جداً من كرامته وقلبه.
للكاتب / هيتشكوك مصر
اهداء الى الكاتب الكبير واﻻعلامى العظيم=ابراهيم عيسي
اهداء للكاتبه الكبيره فريده الحلوانى ومتابعيها
اشترك من هنا قصص لك الروايه اليوميه تابعنا اضغط من هنا👇
👇


تعليقات: (0) إضافة تعليق