تاج روايه الراكب الذي لم يره أحد

القائمة الرئيسية

الصفحات

روايه الراكب الذي لم يره أحد



اهداء الى الكاتب الكبير واﻻعلامى العظيم=ابراهيم عيسي 

اهداء للكاتبه الكبيره فريده الحلوانى ومتابعيها        

روايه الراكب الذي لم يره أحد

كانت محطة مصر (رمسيس) تعج بالضجيج المعتاد في العاشرة مساءً. صوت صافرات القطارات، نداءات الشيالين، ورائحة العوادم المختلطة برائحة السندوتشات من الأكشاك. وسط هذا الزحام، كان "الدكتور عادل"، الجراح المرموق ذو الخمسين عاماً، يشق طريقه نحو قطار النوم رقم 86 المتجه إلى أسوان.

روايه الراكب الذي لم يره أحد
روايه الراكب الذي لم يره أحد


كان عادل يهرب من ضغوط العمل في القاهرة بحثاً عن هدوء الشتاء في الأقصر. دخل مقطورته الفاخرة، ووضع حقيبته، ثم قرر الذهاب إلى "عربة الطعام" (المطعم) ليشرب فنجان قهوة قبل النوم.

القطار بدأ يتحرك ببطء، ثم زادت سرعته وهو يخرج من القاهرة، وبدأ الاهتزاز المنتظم وصوت العجلات: تادام.. تادام.. تادام..

في عربة المطعم شبه الخالية، جلس عادل يرتشف قهوته. وعلى الطاولة المقابلة، جلس رجل عجوز يبدو عليه الثراء، يرتدي بذلة كلاسيكية بنية اللون، ويمسك بسبحة كهرمان ثمينة، وأمامه كوب من الشاي بالنعناع.
ابتسم العجوز لعادل وقال بصوت ودود: "مساء الخير يا دكتور. شكلك هربان من عمليات ومشارط."
ابتسم عادل بدهشة: "واضح عليّ؟"
ضحك العجوز: "أنا خبير في الوجوه. اسمي (فريد الحناوي)، تاجر أنتيكات."

دار حديث طويل وممتع بينهما استمر لأكثر من ساعة. حكى فريد عن نوادر التحف، وعن صفقة كبيرة جداً سيعقدها في الأقصر لبيع "قطعة نادرة" لا تقدر بثمن. بدا الرجل قلقاً قليلاً وهو يتحسس جيب معطفه الداخلي كل بضع دقائق.
قال فريد فجأة بصوت خافت: "تعرف يا دكتور.. القطار ده مليان عيون. أنا مش مرتاح للراجل اللي لابس نظارة سوداء في أول العربية."

نظر عادل بطرف عينيه، رأى شاباً ضخماً يرتدي نظارة شمسية ليلاً ويقرأ جريدة مقلوبة بوضوح.
"ربما تتوهم يا حاج فريد،" طمأنه عادل.
"أتمنى.. على العموم، أنا كابينتي رقم 4 في العربية اللي بعدك على طول. لو احتجت ونيس، خبط عليّ."
دفع فريد الحساب، وترك "بقشيشاً" كبيراً للجرسون، وكتب شيباً على ورقة المنديل ثم دسها في جيبه، وقام ليغادر وهو يعرج قليلاً بقدمه اليسرى.

عاد عادل لكابينته ونام نوماً عميقاً.
استيقظ في السابعة صباحاً والقطار يقترب من سوهاج. غسل وجهه، وقرر أن يذهب للاطمئنان على صديقه الجديد "فريد" ويدعوه للإفطار.

مشى عادل في الممر الضيق المهتز حتى وصل للعربة التالية. وقف أمام الكابينة رقم 4.
طرق الباب. لا رد.
طرق مجدداً. لا رد.
مر "عم صبحي"، عامل القطار العجوز، ومعه صينية شاي.
"صباح الخير يا ريس.. بتخبط على مين؟"

نظر عم صبحي للكابينة باستغراب، ثم نظر لعادل: "فريد مين يا دكتور؟ الكابينة دي فاضية. محدش حجزها من القاهرة أصلاً."
ضحك عادل: "إزاي؟ أنا سهران معاه امبارح في المطعم، وقال لي إنه في كابينة 4، وشفتك وأنت بتدخله وتفتح له الباب!"
تغيرت ملامح عم صبحي للجدية: "يا بيه، أنا مدخلتش حد كابينة 4. حضرتك أكيد كنت بتحلم. الكابينة مقفولة بالمفتاح الماستر معايا."

شعر عادل بالدم يغلي في عروقه. "افتح الكابينة دي حالاً!"
تردد العامل، لكن أمام إصرار عادل ومظهره المحترم، فتح الباب.
الكابينة كانت فارغة تماماً. السرير مرتب لم يمسسه أحد. لا توجد حقائب. لا رائحة عطر فريد المميزة. لا شيء. وكأن أحداً لم يدخلها منذ سنوات.

"مستحيل!" صرخ عادل. "أنا لست مجنوناً! دعنا نذهب للمطعم. الجرسون رآنا ونحن نتحدث!"
ذهب عادل ومعه عامل القطار ورئيس القطار (الكمسري) الذي انضم إليهم للتحقيق في "إزعاج الراكب".

وصلوا للمطعم. كان نفس الجرسون موجوداً ينظف الطاولات.
"أنت!" أشار عادل للجرسون. "ألست أنت من قدم لي القهوة وللحاج فريد الشاي بالنعناع أمس؟ ألم تأخذ منه بقشيشاً كبيراً؟"
نظر الجرسون لعادل ببلاهة مصطنعة: "قهوة حضرتك أيوه يا فندم.. لكن حضرتك كنت قاعد لوحدك طول السهرة. مكنش فيه أي حد معاك."

تراجع عادل للخلف، وقد بدأ "الدوار" يصيبه. هل أصيب بهلوسة؟ هل ضغط العمل أثر على عقله؟
لكنه يتذكر كل تفصيلة.. سبحة الكهرمان، العرج في قدمه، حديثه عن "القطعة النادرة".
قال رئيس القطار بضيق: "يا دكتور، الظاهر حضرتك مرهق. اتفضل ارتاح في كابينتك، ومفيش داعي للشوشرة."

عاد عادل لكابينته وهو يترنح. جلس على سريره يمسك رأسه. هل جننت؟
فجأة.. تذكر شيئاً.
الرجل ذو النظارة السوداء! كان يراقبهم.
خرج عادل للممر، وبدأ يبحث في العربات. وجد الرجل الضخم يجلس في كابينة مفتوحة يدخن سيجارة.
اقتحم عادل الكابينة: "أنت شفتني امبارح! كنت قاعد مع راجل عجوز!"

كانت نبرة تهديد واضحة. عادل ليس مجنوناً. هناك مؤامرة.
عاد عادل لعقله الجراحي التحليلي. إذا كانوا قد مسحوا كل أثر لفريد.. فلا بد أنهم نسوا شيئاً. المجرمون دائماً ينسون التفاصيل الصغيرة.
عاد بذاكرته لليلة أمس.
فريد كتب شيئاً على "منديل ورقي" ودسه في جيبه.. لا، ليس في جيبه هو.. بل وضعه تحت "مفرش الطاولة" بحركة سريعة عندما رأى الرجل ذو النظارة ينظر إليه!
لقد تذكر عادل الحركة الآن. فريد كان خائفاً، وترك رسالة.

انتظر عادل حتى خلت عربة المطعم تماماً. تسلل إليها بحذر.
قلبه يدق بعنف مع صوت عجلات القطار. وصل للطاولة التي كانوا يجلسون عليها.
رفع المفرش القماشي الثقيل.
وجدها!
ورقة منديل مطوية ومضغوطة.
"دكتور عادل.. لو قرأت هذا، فأنا في خطر. رئيس القطار وعم صبحي والضخم شركاء في تهريب آثار. سرقوا مني (تمثال المعبودة باستيت) الذهبي. هم يظنون أنني أخفيته في حقيبتي، لكنني دسسته في كيس وسادة سريرك في غفلة منك عندما اصطدمت بك ونحن خارجون من المطعم. احمِ الأمانة.. ولا تثق بأحد."

اتسعت عينا عادل رعباً. تذكر الآن.. فريد اصطدم به بقوة في الممر واعتذر. لم يكن اصطداماً، كان "تسليماً".
التمثال في كابينته! وهم قتلوا فريد أو حبسوه وفتشوا كابينته (رقم 4) ولم يجدوا شيئاً، ولهذا أنكروا وجوده من الأساس ليمسحوا الجريمة، وربما يبحثون عن التمثال الآن!

ركض عادل عائداً لكابينته.
عندما وصل، وجد الباب مفتوحاً. وعم صبحي والرجل الضخم يقلبان الكابينة رأساً على عقب.
"هو فين؟" صرخ الضخم عندما رأى عادل.
أخرج الضخم "مطواة" (سكيناً) ولمعت في ضوء الشمس المتسلل من النافذة.
تراجع عادل للممر الضيق. هو جراح، يده دقيقة، لكنه ليس مقاتلاً.
في اللحظة الحاسمة، تذكر عادل "فرامل الطوارئ" الموجودة في نهاية الممر.

صريييييخ!
انطلقت صافرة الرعب، وتوقفت العجلات الحديدية فجأة وسط الصحراء. قوة التوقف المفاجئ جعلت الرجل الضخم يطير في الهواء ويرتطم بباب حديدي بقوة هائلة، ليسقط فاقداً الوعي. وعم صبحي سقط وتدحرج.

استغل عادل الفوضى، ودخل كابينته بسرعة، وشق كيس الوسادة. سقط تمثال ذهبي صغير لقطة فرعونية، يلمع ببريق ساحر.
أخفاه في معطفه، ونزل من القطار المتوقف وسط الزراعات في منطقة قنا.
رأى سيارات الشرطة (شرطة السكة الحديد) تقترب بسبب توقف القطار الطارئ.

ركض عادل نحو الضابط، ملوحاً بالتمثال: "جريمة قتل! وآثار مهربة! فتشوا تانك المياه في عربية 4، هتلاقوا جثة فريد الحناوي!" (خمن عادل المكان الوحيد الذي يمكن إخفاء جثة فيه في القطار).



بعد ساعات، في قسم الشرطة.
تم العثور على جثة فريد فعلاً في خزان مياه العربة، وتم القبض على التشكيل العصبي الذي كان يستخدم قطار النوم لتهريب الآثار بعيداً عن تفتيش المطارات.
جلس عادل يرتشف شاياً ساخناً قدمه له المأمور.
سأله الضابط: "يا دكتور.. لولا المنديل، ولولا ملاحظتك، كانت هتبقى الجريمة الكاملة. بس سؤالي.. إيه اللي خلاك متأكد إنهم مخبينه في تانك المياه؟"

ابتسم عادل ابتسامة باهتة وهو يفرك يده الجراحية: .. الماء هو المذيب الوحيد للدم وللجرائم. ولأنني حين فتحت صنبور المياه في كابينتي صباحاً، نزلت المياه بلون وردي خفيف.. عرفت وقتها أن صديقي فريد أصبح جزءاً من القطار."

عاد عادل للقاهرة بالطائرة. لم يكمل رحلته للأقصر، وقرر أنه لن يركب قطاراً للنوم مرة أخرى. فالأحلام في تلك القطارات.. أحياناً لا يستيقظ منها أحد.

روايات اخرى

للكاتب / هيتشكوك مصر

اهداء الى الكاتب الكبير واﻻعلامى العظيم=ابراهيم عيسي 

اهداء للكاتبه الكبيره فريده الحلوانى ومتابعيها

اشترك من هنا قصص لك الروايه اليوميه تابعنا اضغط من هنا👇

👇

👈👉
  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
طريقه نت

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق